Archive for the ‘روايات’ Category

450
( 1 )

 

حين أعود من العمل، أضع الطعام على نار هادئة، وأتجه إلى غرفتها المعتمة. أفتح الشباك لبعض الضوء وبعض الهواء، ثم أساعدها على الجلوس. أضع خلف ظهرها وسادتين صغيرتين كي لا يطرح جسدها السائب إلى الخلف، ثم أفرد على ساقيها قطعة قماش قديمة، حتى لا تتسخ ملابسها من الطبيخ أو حبات الأرز. وبعد أن تأكل تنادي علي، فأحضر صينية القلل القديمة، والصابونة والفوطة. أغسل يديها وفمها، ثم أساعدها في الذهاب إلى الحمام، وانتظر حتى تتوضأ لأعود بها إلى السرير، وأجلسها ناحية القبلة، ثم ألف الطرحة البيضاء الخفيفة حول رأسها، وأطوي اللحاف أمامها لتستقر بجبهتها عليه وهي تسجد.

  (المزيد…)

]1[

فجأة صرت كبيراً، من حقى الآن أن أجلس على كوبرى الترعة، أرصد القادمين والمغادرين، خاصة ذوى الحقائب المعلقة على أكتافهم، يذهبون إلى الجيش أو للعمل في ترحيلات أخرى من نوع جديد. غيابهم مؤقت، وحضورهم هش.

يكونون ـ وهم بيننا ـ غيرنا. يرتدون جلابيب بيضاء نظيفة، ويتنقلون بكسل من دار إلى دار، يشربون الشاى ويحكون عن عوالم وأشياء غريبة، يشرئب خيالى ليتلصص على ما يحكون وقد استخدموا في حكيهم كل صيغ المبالغة وظهرت كلمات جديدة على ألسنتهم.

نفرح بهم، لكنهم أصبحوا خارج النسيج، لا يشتركون في عمل ولا يُطلب منهم رأى. نظرتهم زائغة وحركتهم ـ دائماً ـ زائدة عن الحاجة، لكنهم لا يمكثون طويلاً. ربما بسبب الملل أو لإحساسهم أنهم فقدوا أماكنهم القديمة أو أنهم أدمنوا الأماكن البعيدة؟

(المزيد…)

]1[

ثم إنه حدث أن خرجت الأميرة من بوابة القلعة الخلفية، متخفية في ملابس جندى من جند المراسلات وأنها خرجت إلى الجبل فداهمتها همهمات الريح الخافتة فأيقظت بداخلها شجناً قديماً. كما رأت القمر حراً في السماء يجرى ويلعب ويتقافز إلى جوارها فرحاً لأنه خرج من إطاره، شباك حجرتها. ولما كان قمر الليلة هو أجمل قمر شهدته الدنيا، قررت الغزالة أن تسعى على ضوئه الخافت لتكمل ما حرمها منه الذئب تحت ضوء شمس النهار.

ولما كان قمر الليلة أجمل قمر شهدته الدنيا: كبير وقريب ولامع؛ قرر الذئب أن يسعى على ضوئه الكاشف علّه يكمل مطاردة لم تتم تحت ضوء شمس النهار الفاضحة.

(المزيد…)

]1[

تقول جدتي أنه يوم مات خالي أحمد، كانت فوق السطح تحضر حطباً للكانون. أطالت النظر إلى قبة المقام الخضراء، وأحست بألم شديد في بطنها، زحف الألم إلى ذراعيها وقدميها ورفت عينها اليسرى؛ فتذكرت بومة كانت تنعق ليلة البارحة.
سقط الحطب من بين يديها ورأت الكون أصفر، أصفر تماماً، كما رأت سحب السماء سيارات تجري بسرعة على الطريق وتصطدم بعضها ببعض.
صوت الارتطام دمدمة تخلع القلب وترجف المفاصل. يومها، ظلت تدور في الدار كالفرخة المضروبة على رأسها. بعد الغذاء جلست وحدها جوار الفرن وأسندت رأسها إلى الحائط فغفلت للحظات رأت فيها “أبو سليمان” قادماً نحوها وبين يديه حزمة حطب وقال: حزمة الحطب دى أمانة عندك. تركها وعاد بعد فترة يطلب حزمة الحطب، فضربت صدرها بيديها وقالت: أحمد؟
وقال: أنا عاوز حزمة الحطب، الحطب بتاعي، واحد جاب حاجة وخدها.
هبت من نومها فزعة على صوت بكاء وصراخ وولولة. كان أحمد، لكنها تذكرت ما سمعت منذ برهة، وكتمت حزنها بصدرها واستسلمت لقضاء الله راضية. لكنها كانت تتمتم: يا كبد أمك يا حبيبي.
لم ترد عليها ولم تذرف دمعه.

(المزيد…)

]1[

عن جدتي أن خادم المقام لما تشاجر مع إخوته، ضاق صدره ومشى في الغيط وحده ليلاً فلم يسترح. فكر أن يبيت ليلته جوار الضريح ويتركهم للهم والانتظار.

يقول أنه لما فرد جسده على الحصيرة هدأ وانسحب ضيقه، وأسلم إلى دومات من الومضات الفضية. ثم أفاق على وخزة في جنبه الأيمن، وسمع صهيل خيل كثيرة، وقرع طبول، وهسيساً يسحب الروح صادراً عن احتكاك الصاجات بعضها ببعض.

أحس بتيار من الهواء الساخن عند رأسه، نظر إلى أعلى.. فإذا بحصان أبيض حليب نزل من فوق صهوته فارس طويل حسن الصورة، مسح على صدره وقال له: نم في بيتك يا رمضان وسوف ينصرنا الله في حربنا معهم. ساعتها سمع صياح الديك فانتظر صلاة الفجر. صلاه ثم عاد إلى داره منشرح الصدر وقرر ـ وهو الفقير ـ أن يخدم المقام دون مال.

(المزيد…)

]1[

بالأمس رأيته:
أعرفه إن تغيرت ملابسه أو ملامحه أو حتى جلده.
كان يجلس على الأرض في ظل بيت قديم، يستند إلى  جدار سرت غيه الرطوبة، يضرب مؤخرة رأسه في الجدار فتنهار حبيبات الرمل الرمادي. ويضرب ويتأوه ويبرطم بكلام ملغز، مفتت النهايات لم أستبن منه شيئاً.

اقتربت منه وانحنيت عليه. كان مغمض العينين. وضعت يدي على كتفه وهززته برفق. فتح عينيه ونظر إليّ وأنكرني.

(المزيد…)